تطور علم النفس
شهد القرن التاسع عشر طفولة علم النفس العلمي الحديث ومحاولاته للوقوف على قدميه وكان ذلك على يد فونت عام 1879 عندما أنشا أول معمل تجريبي لعلم النفس في جامعة "ايبزج" بألمانيا ونهج فونت وتلاميذه في البداية منهج الاستبطان أو التأمل الداخلي وهو يرى أنه لابد من ملاحظة الفرد لنفسه وحالاتها وما يحدث فيها من عمليات ذهنية وما يشعر به وما يعتريه من انفعال وما يصدر عنه وتسجيل ذلك أو سرده لملاحظاته وثمة نوعان من التأمل الباطني : النوع المباشر وهو ملاحظة المرء لعملياته وحالاته وقت حدوثها والنوع الثاني استرجاعي بأن يدع المرء عملياته العقلية تسير سيرها الطبيعي دون توجيه انتباه مركز ثم يحاول تذكرها ووصفها بعد ذلك بمدة قصيرة.
ولم تتخلف أمريكا عن ركب المساهمين في تطور علم النفس وقد نشر كاتل عام 1890 مقالا استخدم فيه لأول مرة في قاموس علم النفس كلمة اختبارات عقلية وكان هذا سببا في تصميم اختبارات متعددة ضمن هذا النوع في أواخر القرن التاسع عشر.
وارتبط علم النفس في الاتحاد السوفيتي بالعالم الفسيولوجي "بافلوف"(1849-1936) ومفاهيمه في وظائف الجهاز العصبي وقد أفاد علم النفس بنتائج الانعكاس الشرطي الذي اكتشفه أثناء قيامه بتجاربه علي الجهاز الهضمي وتشبعت تجاربه لدراسة التنبيه والكف الشرطيين في الحالات السوية أو بعد قطع أجزاء معينة من الدماغ وكانت تجاربه كلها بقصد الدراسة الفسيولوجية ولكن النتائج التي أسفرت عنها تجاربه في الاشتراط كانت ذات قيمة في ميادين علم النفس السوي والمرضي واعتبر "بافلوف" صاحب مدرسة ترابطية تدخل في عداد المدارس السلوكية.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت أبحاث ثورنديك والتي نشرها في كتابه "ذكاء الحيوان" وشملت دراسة تجريبية علي عمليات الارتباط عند الحيوان ومنذ ذلك الحين اثر ثورنديك بشكل مباشر علي نظريات التعلم وعلم النفس والتربية تأثيرا امتد 40 عام والتي قدمها في كتابه "الطبيعة الإنسانية والنظام الاجتماعي" الذي نشر عام 1940. وخرج ثورنديك بقوانين للتعلم لا يخلو مرجع لعلم النفس التربوي منها وهذه القوانين (قانون الاستعداد وقانون المران أو التدريب وقانون الأثر).
ثم ظهرت في ألمانيا مجموعة من العلماء أمثال فرتيمر (1880-1943) وكوهلر (1867-1967) وكوفكا (1856-1949)
تهاجم مفهومات فونت وأطلقوا على أنفسهم مدرسة الجشطلت وقد نشأت فكرة الجشطلت معارضة البنائية التي استخدمت منهج الاستبطان لتكشف به كيمياء العقل ومعارضة في نفس الوقت للسلوكية التي تحاول جعل علم النفس نظير للعلوم الطبيعية باعتبار أن جوهر العلم هو القياس وأن موضوع علم النفس يجب أن يكون السلوك الظاهر الذي يمكن قياسه والتأكد من ثباته واعتبر الجشطلتيون أن في هذا تجزئ وتفتيت للسلوك واختزال يحاول رد الكل إلي عناصره الأولية والواجب عند الجشطلت هو أن ندرس كيف يدرك الناس العلم من حولهم وأن المجال الادراكى للفرد يتكون من وقائع منظمة وذات معنى .
ومن الأسماء الشهيرة في علم النفس المعاصر هو واطسون (1878-1958). وقد أعجب واطسون بأبحاث بافلوف لأنها تقدم أسلوبا موضوعيا لتقويم السلوك دون الاعتماد علي التحليل الاستبطاني أو العقلي(فونت) ووجد في أعمال بافلوف مخرجا لعلم النفس في أمريكا للانتقال من المنهج العقلي إلي علم أكثر موضوعية وبذلك أطلق صيحته "السلوكية" الذي يدرس السلوك بصورة مباشرة واعتبر علم النفس علما موضوعيا للسلوك ، والشخصية عنده هي مجموعة من الأفعال المنعكسة المطوعة أما الانفعالات فهي ناشئة عن الوراثة والخبرة.
وفي فرنسا بذل بينيه وزملاؤه علماء النفس سنوات طويلة في بحث قياس الذكاء وحاولوا الوصول إلي ذلك بمختلف الطرق وانتهوا إلي أفضل طريقة لقياس الذكاء هو أن تقاس العمليات العقلية المعقدة وقد ساعد بينيه علي تطبيق أفكاره حين طلب منه وزير التربية الفرنسي تأليف لجنة لعزل الأطفال المتأخرين عقليا من المدارس الفرنسية لهذا وضع بينيه مع سيمون أول اختبار للذكاء عام 1906 المعروف حاليا باختبار ستانفورد بينيه للذكاء ومن ذلك الوقت تطور القياس العقلي تطورا كبيرا كما تطور اختبار بينيه نفسه ولا يزال من أهم الاختبارات الفردية المستخدمة في قياس الذكاء .
أما التحليل النفسي ويقال أيضا علم النفس الأعماق فقد ظهر علي يد سيجموند فرويد (1856-1939).
فقد ركز فرويد علي ثلاث قضايا:-
أ- منهج للبحث في العمليات اللاشعورية التي تستعصي علي أي منهج آخر .
ب- فن لعلاج أمراض النفس يقوم علي منهج البحث المذكور.
ت- مجموعة من المعارف النفسية يتآلف منها نظام علمي جديد بالإضافة لذلك توصل فرويد إلي نظرية سيكوباثولوجية (علم النفس المرضي) تزود الطبيب النفسي بتفسير من منطلق سيكولوجي لجميع أمراض النفس والعقل.
*و مازال علم النفس في تطور مستمر حتى الآن