تتصف ظهور العلوم بأنها لم تظهر دفعة واحدة ولكن ظهر علم بعد الآخر أو بشكل أدق مجموعة بعد أخرى وتبدأ بالرياضيات ثم الفيزياء ثم الكيمياء ثم البيولوجيا الحيوانية ثم البيولوجيا الإنسانية ثم علم النفس ثم علم الاجتماع.
ويشير العلم "برنال" أن العلوم الأسبق ظهورا كانت تلك الأكثر التصاقا بعملية الإنتاج وسبب ظهور علم النفس في هذا التوقيت حدوث طفرة هائلة في أدوات الإنتاج وهو ما يعبر عنه بالثورة الصناعية وأهم ما يميز الثورة الصناعية اتساع الشقة التي أصبحت تفصل بين الإنسان والإنتاج (المسافة التي شغلتها الآلة ) وأصبح الإنسان زرا في آلة وأصبح الإنسان مغتربا في ذلك المجتمع الصناعي المتقدم.
*ويمكن القول أن أسباب ظهور علم النفس في هذا التوقيت هو الآتي :-
أ- بروز الحاجة الرأسمالية الناشئة إلي علم يزيد من معرفتها بقوانين السلوك الإنساني مما يمكنها من استثمار القوى العاملة في مجال الصناعة أقصى استثمار ممكن.
ب- بروز حاجة "رجل الشارع" إلي علم يتيح له فهما لما يعانيه من اغتراب يسبب له من التعاسة ما لا طاقة له به.
ج- نضج العلوم الاجتماعية وما أدى إلي ذلك من سيادة لمناهج البحث المتبعة في تلك العلوم وكان جوهر تلك المناهج جميعا يتمثل في النظرة الوضعية.
وينبغي أن نشير أن تحديدنا لعام 1879 وهو العام الذي أسس فيه فونت معمله كتاريخ تقريبي لظهور علم النفس ورغم اتفاق علماء علم النفس اتفاقا يكاد يقرب من الإجماع أمر في حاجة إلي مزيد من التوضيح فمنذ تاريخ قديم جدا وقد يمتد إلي ما قبل أفلاطون و أرسطو تعرض الفكر الإنساني للعديد من القضايا والموضوعات تدخل في مجال علم النفس بل أن كلمة "علم النفس" يرجع تاريخها إلي حوالي عام 1734 حين استخدمها وولف في كتابه "علم النفس العقلي" ورغم ذلك فإن تحديدنا لهذا التاريخ التقريبي يظل صحيحا إذا ما كنا نعنى استقلال علم النفس بفرع منفصل من الدراسة.